قضاء غير المسلم
(ملحوظة: هذا البحث منشور في المجلة القضائية لسنة 2004م)
الباحث : مولانا/ حافظ الشيخ الزاكي رئيس القضاء السابق وأستاذ القانون بجامعة الخرطوم
يشترط الفقهاء لتولي القضاء شرط الإسلام ، ويعللون ذلك بعدة أسباب أهمها:
1- أن القضاء من الولايات العامة وأن غير المسلم لا تكون له ولاية على المسلم ، ويحتجون لذلك بقوله تعالى [ ولن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاُ ] الآية (141) من سورة النساء.
2- أن غير المسلم لا تتوفر فيه العدالة المطلوبة لأداء الشهادة وتولي القضاء.
3- أن غير المسلم ينقصه العلم بالأحكام الشرعية ، وهي المعرفة بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والفقهاء.
4- أن غير المسلم قد تحمله عداوته للإسلام على ظلم المسلمين ، لأنه يفتقد الوازع الأخلاقي الذي يعصمه من الظلم.
وسـوف نناقش فيما يلـي هـذه الأسباب وأدلتها لنرى مـدى قوة حجتهم:
أولاً : ولاية القضاء:
قسم الفقهاء الولايات إلى أقسام مختلفة وذلك على النحو التالي:
1- ولاية عامة في الأعمال العامة : الوزراء
2- ولاية عامة في أعمال خاصة : أمراء الأقاليم.
3- ولاية خاصة في أعمال عامة : قاضي القضاة /نقيب الجيش /حامي الثغور.
4- ولاية خاصة في أعمال خاصة : قاضي البلد / نقيب الجيش / حامي ثغره / جابي صدقته([1]).
إن ولاية القاضي قد تكون ولاية عامة أو تكون ولاية خاصة . فإن كانت ولايته عامة فهي تتضمن النظر في أمور عشرة تجدها في كثير من عهود القضاة ، منها : الفصل في المنازعات ، واستيفاء الحقوق ، والولاية على الغير والمجنون ، والنظر في الأوقاف ، وبتنفيذ الوصايا ، وتزويج الأيامي ، وإقامة الحدود.
وأما ولاية القاضي الخاصة فتخصص بالنظر في قضية معينة ، أو في ناحية معينة من المدينة ، أو خلال مدة معينة من الزمن ، أو بين أشخاص محدودين ، أو وفقاً لمذهب معين ، فالتخصيص يكون بالزمان والمكان والمذهب ([2]).
يذكر الدكتور وهبة الزحيلي ([3]) نقلاً عن الإمام ابن القيم في الطرق الحكمية ([4]) أن القضاء ولاية عامة كالوزارة ، فلا يصلح للتعيين فيه إلا من كان مستكملاً أوصافاً معينة مستلهمة من صنيع الخلفاء الراشدين الذين كانوا يتشددون في اختيار القضاة وفقاُ لأهلية معينة ، وقد اشترط الفقهاء لتولي القضاء عدة شروط اتفقوا على بعضها واختلفوا في أخرى ، ومن الشروط المتفق عليها : العقل والبلوغ والحرية والإسلام وسلامة الحواس والعلم بالأحكام الشرعية.
الشروط المختلف فيها فهي : العدالة والذكورة والاجتهاد.
وقد قسم الفقهاء الوزارات إلى وزارة التفويض ووزراء التنفيذ ، فأما وزارة التفويض فهي أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده ، فهي تشبه رئاسة الوزارة أو نائب الرئيس اليوم ، وهو أخطر منصب بعد الخلافة ، إذ يملك الوزير المفوض كل اختصاصات الخليفة ، كتعيين الحكام والنظر في المظالم ، وقيادة الجيش ، وتعيين القائد ، وتنفيذ الأمور التي يراها.
وأما وزارة التنفيذ فهي أقل مرتبة من وزارة التفويض ، لأن الوزير فيها ينفّـذ رأي الإمام وتدبيره ، وهو وسط بينه وبين الرعايا والولاة ، يؤدي عنه أوامره ، وينفذ آراءه ، ويمضي أحكامه ، ويبلغ من قلدهم الولاية أو تجهيز الجيوش ، ويعرض عليه ما ورد منهم وتجدَد من أحداث طارئة . فليس له سلطة الاستقلال بالتوجيه والرأي والاجتهاد.
ولا يشترط في وزير التنفيذ الحرية ولا الإسلام ولا العلم بالأحكام الشرعية ، أي الاجتهاد مما هو مطلوب في وزير التفويض.
وزارة التنفيذ هي التي لا يكون لصاحبها تدبير الأمور باجتهاده ، وإنما يكون عمله قاصراً على تنفيذ أوامر الخليفة والتزام آرائه ([5]).
لا يشترط الفقهاء في وزير التنفيذ أن يكون حراً ، ولا أن يكون عالماً ، ولكنهم اشترطوا فيه أن يكون رجلاً لضعف النساء وملازمتهن الحجاب . وأجازوا أن يكون من أهل الذمة ، واستوجبوا فيه من الصفات : الأمانة ، وصدق اللهجة ، وقلة الطمع ، والبعد عن الهوى ، والسلامة من عداوة الناس ، وحدة الذكاء ، وقوة الذاكرة ، ليصدق فيما يؤديه.
يرى أبن تيمية رحمه الله تعالى أن القاضي اجتمعت فيه ثلاث صفات: فهو من جهة الإثبات شاهد ، ومن جهة الأمر والنهي مفت ، ومن جهة الإلزام ذو سلطان ، ولذلك يشترط فيه ما يشترط في هؤلاء الثلاثة . فهو كشاهد تشترط فيه العدالة . وهو كمفتٍ يشترط فيه العلم والتقوى . وهذا العلم لا يُشترط أن يكون شاملاً ، بل يكفي أن يكون القاضي عالماً بموضوع اختصاصه فمن ولي قاضياً للجنايات يُشترط فيه العلم بالجنايات ، ولكن لا يُشترط فيه العلم بالمواريث.
وهو كسلطان تُشْتَرَط فيه القوة أو القدرة على تنفيذ الأحكام . وما يُشْتَرَط من الشروط في القضاة تجب مراعاته بحسب الإمكان ، وأما مع العجز فإنه يختار الأمثل فالأمثل ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها([6]).