(المحكمة العربية لحقوق الإنسان التي نتطلع إليها).
الخبير القانوني الدكتور/ أسامة مصطفى إبراهيم.
هيئة الأشغال العامة ـ إدارةالشئون القانونية.
الدوحة ـ قطر.
موضوع المحكمة العربية لحقوق الإنسان، قد تأخر كثيراً مقارنة بالمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان و المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان. حيث تأسست المحكمة الأوربية بموجب الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسانلعام 1950 والتي دخلت حيز التنفيذ في 3 سبتمبر 1953م، بينما تأسست المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان بموجب الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969، والتي أصبحت نافذة في 18 يوليو 1978م. ولكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي مطلقاً.
أهمية المحكمة المزمع إنشاؤها بكل بساطة، تكمن في عدم فعالية أي نظام قانوني لا توجد به آلية فعالة تراقب وتشرف على تنفيذ الأطراف لالتزاماتهم بموجب أيّ اتفاقية ، و في حالة عدم وجود آلية يمكن للأطراف وأصحاب المصلحة القانونية اللجوء إليها، فإنه من الراجح عدم التزام أي من الأطراف بالتزاماتهم ، مثلا في النظام الوطني في حالة نشوء نزاع حول تطبيق أي عقد توجد محاكم مدنية يمكن لأطراف النزاع اللجوء إليها لحل نزاعاتهم التي قد تنشأ عنه.
والسؤال الذي يثار هنا، هل هنالك حاجة للمحكمة المقترحة في ضوء أحكام الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أُعتمد من قبل القمة العربية السادسة عشرة التي استضافتها تونس 23 مايو 2004،ودخل حيز التنفيذ في 16 مارس 2008م، من أجل تعزيز حماية حقوق الانسان تحت مظلة الجامعة العربية ؟.
للإجابة على هذا السؤال لابد من الوقوف على الآليات القانونية المتاحة في الوقت الراهن تحت مظلة الجامعة العربية لحماية حقوق الإنسان:
أولا:نصوص ميثاق جامعة الدول العربية لعام 1945:
خلت نصوص ميثاق الجامعة العربية الذي تم اعتماده في 22/3/1945من التطرق إلى موضوع حقوق الإنسان . و يرى البروفسير محمد أمين الميداني أنه" كان من المفروض أن يتجسد الاهتمام بكرامة الإنسان وحقه في الحياة، في صلب ميثاق جامعة الدول العربية. ولكن لم تحظ حقوق الإنسـان بالاهتمام الكافي من طـرف واضعي ميثاق الجامعـة حين تم تحضيره، ولم يكن هنـاك وعي كاف وقتها بضرورة تأسـيـس أيّ هيئة أو لجنة مهمتها حماية حقـوق الإنسان في الدول العربية أو مجرد تشـجيع هذه الحقوق وتعزيزها".
وعليه فقد خلا ميثاق الجامعة بالضرورة من أيّ آليه لحماية حقوق الإنسان.
ثانيا:اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان :
أُنشئت اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان بناء على مبادرة من الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، حيث طلبت لجنة حقوق الإنسـان في قرارها 6 (XXIII) بتاريخ 23/3/1967، والذي اتخذته في ختام اجتماعها الرابع والعشرين الذي خصصته لمعالجة "مشكلة إنشاء لجان إقليمية لحقوق الإنسـان"، حيث استفسر الأمين العام لمنظمـة الأمم المتحدة عن المنظمات الإقليمية التي لم تؤسـس لجانا دائمة لحقوق الإنسـان و إمكانية إنشاء مثل هذه اللجان الدائمـة ، ونتيجة لذلك فقدتمت دراسة مبادرة الأمين العام وبناء على توصية لجنة الشـؤون السـياسـية، فقد أصدر مجلس جامعة الدول العربية، في دورته رقم 2243، بتاريخ 3/9/1968، قراره بالموافقة على : "توصي اللجنة بالموافقة على إنشـاء لجنة إقليمية عربية دائمة لحقوق الإنسـان في نطاق الجامعة حسبما تضمنه تقرير الأمانة العامة في الموضوع". والثابت أنه لم يكن لهذه اللجنة العربية، وحتى عام 2007، أي نظام أسـاسـي خاص بها، بل كان يطبق عليها نظام اللجان الفنية في جامعة الدول العربيـة. ولكن وبتاريخ 5/9/2007، تم وضع لائحة داخلية للجنة.
لذا تعتبر هذه اللجنة إحدى اللجان الفنية الدائمة المنشأة استناداً إلى نص المادة الرابعة من ميثاق جامعة الدول العربية.وتنحصر اختصاصات هذه اللجنة في دراسة ما يصلها من معلومات من الدولة الأعضاء في الجامعة العربية و كذلك ما يرسل إليها من معلومات وتقارير من المنظمات العربية غير الحكومية (NGOs ). وتعتبر هذه اللجنة لجنة فنية، لذا ليس من اختصاصها إصدار قرارات ملزمة بل ترفع توصياتها إلى مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية لاتخاذ ما يراه لازما بشأنها.
ثالثا: لجنة حقوق الإنسان العربية:
تنص الفقرات 1،2،3 من المادة (45) من الميثاق العربي لحقوق الانسان - 2004 على ما يلي:
1- "تنشأ بموجب هذا الميثاق لجنة تسمى "لجنة حقوق الإنسان العربية" يشار إليها فيما بعد باسم "اللجنة" وتتكون من سبعة أعضاء تنتخبهم الدول الأطراف في هذا الميثاق بالاقتراع السري.
2- تؤلف اللجنة من مواطني الدول الأطراف في هذا الميثاق ويشترط في المرشحين لعضوية اللجنة أن يكونوا من ذوي الخبرة والكفاءة العالية في مجال عملها. وعلى أن يعمل أعضاء اللجنة بصفتهم الشخصية وبكل تجرد ونزاهة.
3-لا يجوز أن تضم اللجنة أكثر من شخص واحد من مواطني الدولة الطرف. ويجوز إعادة انتخابه مرة واحدة فقط ويراعى مبدأ التداول.
كما تنص المادة (46) الفقرة (5) على أن "يوفر الأمين العام ضمن ميزانية جامعة الدول العربية ما يلزم من موارد مالية وموظفين ومرافق لقيام اللجنة بعملها بصورة فعالة ويعامل خبراء اللجنة فيما يتعلق بالمكافأة وتغطية المصاريف معاملة خبراء الأمانة العامة".
بموجب المادة ( 47) "تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن لأعضاء اللجنة الحصانات اللازمة والضرورية لحمايتهم ضد أي شكل من أشكال المضايقات أو الضغوط المعنوية أو المادية أو أي تبعات قضائية بسبب مواقفهم أو تصريحاتهم في إطار قيامهم بمهامهم كأعضاء في اللجنة".
وينحصر دور اللجنة المشار اليها وفقاً للمادة (48) في دراسة ومناقشة التقارير التي تقدمها الدول الأطراف في الميثاق وعمل توصيات وملاحظات وهي بطبيعتها غير ملزمة من الناحية قانونية، بمعنى أن للدولة المعنية الحق في قبولها أو رفضها. وفي هذه الجزئية تظهر هشاشة وضعف هذه الآلية حيث تنص المادة المذكورة على أنه:
1- تتعهد الدول الأطراف بتقديم تقارير بشأن التدابير التي اتخذتها لإعمال الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الميثاق وبيان التقدم المحرز للتمتع بها، ويتولى الأمين العام لجامعة الدول العربية بعد تسلمه التقارير إحالتها إلى اللجنة للنظر فيها.
2- تقوم الدول الأطراف بتقديم التقرير الأول إلى اللجنة خلال سنة من تاريخ دخول الميثاق حيز التنفيذ بالنسبة لكل دولة طرف وتقرير دوري كل ثلاثة أعوام . ويجوز للجنة أن تطلب من الدول الأطراف معلومات إضافية ذات صلة بتنفيذ الميثاق.
3- تدرس اللجنة التقارير التي تقدمها الدول الأطراف وفقا للفقرة "2" بحضور من يمثل الدولة المعنية لمناقشة التقرير.
4- تناقش اللجنة التقرير وتبدي ملاحظاتها وتقدم التوصيات الواجب اتخاذها طبقا لأهداف الميثاق.
5- تحيل اللجنة تقريرا سنويا يتضمن ملاحظاتها وتوصياتها إلى مجلس الجامعة عن طريق الأمين العام.
6- تعتبر تقارير اللجنة وملاحظاتها الختامية وتوصياتها وثائق علنية تعمل اللجنة على نشرها على نطاق واسع" .
مما تقدم نرى الحاجة الماسة لإنشاء محكمة عربية لحماية حقوق الانسان ولذا نثمن مبادرة مملكة البحرين بإنشاء محكمة خاصة بحقوق الإنسان ، حيث وافق مجلس الجامعة العربية بموجب قراره رقم 7489 في دورته العادية رقم 137 بعقد مؤتمر لدارسة تأسيس المحكمة المقترحة.
بخصوص المحكمة التي تمت الموافقة على إنشائها في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية الرابعة والعشرين الذي انعقد بمدينة الدوحة بدولة قطر ، نتطلع إلى أن يستطيع فيها الضحية اللجوء اليها بموجب اجراءات واضحة وميسرة بشأن تقديم مظلمته ويجب ان يكون التعويض فعالة في حالة انتهاك الحقوق المنصوص عليها في الميثاق العربي لحقوق الانسان ، كما نفضل أن لا ينحصر اختصاص المحكمة بحماية الحقوق المنصوص عليها في الميثاق المشار إليه بل يجب أن يشمل جميع الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية الملزمة للدولة العربية وبذلك يمكن تلافي نقد بعض الدول و منظمات حقوق الإنسان في الوطن العربي بشأن الميثاق باعتباره لا يرقى إلى الحد الأدنى لما هو موجود على الصعيد الدولي والإقليمي من اتفاقيات حقوق الإنسان وذلك أسوة بالبروتوكول الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1998، والذي تم بموجبه تأسيس المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والذي نص على أن تطبق المحكمة أحكام الميثاق وغيره من الصكوك ذات الصلة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها الدول ذات الصلة بقضية بعينها.
وبما أن الوقت عامل مهم وجوهري في قضايا حقوق الإنسان فنقترح تبني ما نص عليه البروتوكول الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1998والذي بموجبه تم إنشاءالمحكمة الإفريقية ، حيث نص على أن تصدر المحكمة حكمها خلال (90 يوما) من تاريخ إكتمال المداولات،و بالاضافة إلى ذلك لا بد من النص صراحة على ضرورة استنفاذ الاجراءات القانونية الداخلية في الدولة المدعى عليها مع مراعاة عدم التقيد بهذا الشرط في حالة عدم سماح التشريع الوطني للدولة المعنية بإقامة الدعوى القانونية الواجبة لحماية الحق أو الحقوق المزعوم انتهاكها أو أن يكون هنالك تأخير على نحو غير عادي.
والأمر يتطلب أيضا تعديل اختصاص لجنة حقوق الإنسان العربية ليشمل تعزيز حقوق الإنسان بصورة فعالة بين شعوب الدول العربية والتأكد من حمايتها، وكذلك إجراء تحقيق بشأن حالات انتهاك حقوق الإنسان ،بالاضافة إلى التعامل مع الشكاوي الفردية والمجموعات و تلك التي تقدم من منظمات المجتمع المدني ، علاوة على تقديم تقارير سنوية و تقارير خاصة بالبلدان التي تحدث فيها انتهاكات لحقوق الإنسان ، و كذلك تُمنح اللجنة في الحالات الطارئة سلطة اصدار إجراءات مؤقتة في الحالات التي يتعذر فيها تعويض الضرر في حال عدم وقفه . من الأهمية بمكان أن تعطى اللجنة الحق في اللجوء إلى المحكمة بعرض الدعاوى التي لم تحل في حدود اختصاصها .
واخيرا لابد من ضمان معايير الحياد والاستقلالية في تشكيل المحكمة المقترحة وأن يكون أعضاء المحكمة من القضاة العرب المشهود لهم بالنزاهة والمؤهلات والخبرة، مع توفير كافة الإمكانات المادية والإدارية لها وأن تكون قراراتها ملزمة.