السبت, 23 تشرين2/نوفمبر 2024
Blue Red Green

  • أخبار سريعة
أخبار قانونية: وفاة رئيس القضاء السوداني مولانا حيدر احمد دفع الله - السبت, 24 تشرين2/نوفمبر 2018 18:45
الرئيسية

المقالات

أتعاب المحاميين.

المهني للمحامي تماما مثل الطبيب فنحن نستخدم استثناءا مصطلح الأجر للتعبير عن المردود المالي لعمل المحامي أو الطبيب. لعل السبب في ذلك هو خصوصية و تميز طبيعة عمل المحامي عن غيرها من سائر علاقات التعاقد و التجارة.

ينظم القانون و قواعد تنظيم المهنة أصولا عامة تحكم تقدير أتعاب المحامين و طرق حل ما قد ينشأ من نزاع حولها. بيد أن هذه القواعد طال عليها الأمد و باتت لا تعيير البعد الاقتصادي أهميته. نشأ عن هذا الوضع تدهور بالغ في طرق تقدير أتعاب المحامين بالمبالغة أحيانا خاصة في مخالفات علية القوم و بالامتهان و الشح في غالب الأحيان خاصة مع صغار المحامين و الملتحقين حديثا بمهنة المحاماة. ترتب على هذه الحالة انحدار عظيم في مستوى الكفاءة المهنية أثر على شرف المهنة و نبل الرسالة مما زعزع ثقة المتقاضين في أهلية المشتغلين بالمحاماة.
حقيقة لا تتوفر لدي معلومات حديثة عن التقديرات الفعلية لأتعاب المحامين و لا عن المردود المالي للمحامين حديثي العمل بالمهنة، لكني سأعتمد على أرقام و تقديرات عام 2000 و لعلي معتمدا على الوضع الاقتصادي الذي ينتقل من سيء لأسوء منذ ذلك العام، أخمن أن التقديرات و الأرقام صارت أشد بؤسا و بعثا على القلق و الحيرة.

 

إذا قسمنا مكاتب المحاماة إلى فئات:

فسنجد في القاع مكاتب المحاماة التقليدية التي تعتمد على اسم المحامي الذي يعمل لديه عدد صغير جدا من المتدربين و صغار المحامين فضلا عن سكرتارية. في هذه الحالة يستأثر المحامي مالك المكتب بالعلاقة بالموكلين و تقدير الأتعاب بشكل مباشر بينه و بين الموكل بعيدا عن أعين و مسامع المتدربين و صغار المحامين. هذا التقدير تشكله عدة عناصر منها خبرة المحامي و اسمه و درجة تعقيد المسألة،، إلخ. في غالب الأحيان لا يتقاضى المتدربون إلا مردودا ماليا محدودا قد ينفقونه على تنقلاتهم من و إلى المحكمة. في القاهرة ربما كان يتراوح المردود المالي للمتدرب في هذه الفئة من المكاتب بين الصفر و المائة و خمسين جنيها. أما المحامي الذي تجاوز مرحلة التدريب – سنتين- فيتوقف تقديره المالي على خبرته و كفائته فيبدأ من 200 إلى 600

الفئة الثانية تشبه إلى حد كبير الفئة الأولى مع الفارق في حجم المكتب. فالمحامي صاحب المكتب غالبا ذائع الصيت بسبب مهارته، علاقاته، أستاذ جامعة، سوابقه الفريدة في المرافعة و تخصصه في بعض القضايا. هنا يتمتع المكتب بوفرة مالية إلى حد ما و قدرة على استعمال عدد أكبر من المتدربين و صغار المحامين بخبرات و كفاءات متعددة. ما يثير العجب من هذه الفئة هو استغلالها للمتدربين بشكل فاحش. إذ يلجأ العديد من هذه المكاتب إلى الاكتفاء بمنح فرصة التدريب لدى المكتب كمقابل مادي!! أي أن المتدرب يكفيه شرفا و قوتا أن يتدرب في مكتب فلان المحامي. إذ وفقا لنظرة السيد المحامي الهمام سيحوز المتدرب خبرة لا تقدر بثمن. يجب القول هنا أن المتدرب يقوم بكافة الأعمال و خاصة تلك التي يتعفف أو يترفع عنها المحامون ذوو الخبرة و السلطان. فقد تمتد ساعات العمل و قد يتحمل المتدرب مصروفات انتقال أو غير ذلك و لكن من مصلحته أن يفعل حتى يحظى بمزيد من الثقة لدى أصحاب الحظوة و صاحب المكتب. لكن انصافا هناك مكاتب في هذه الفئة تحدد سياسة لرد مصروفات الانتقال و قد تحدد مرتبات محدودة قد تنتظم كل أول شهر و قد تكتفي ببضعة شهور في السنة.

فيما يتوقف تقدير أتعاب المحامي الذي حاز بعضا من الخبرة على كفائته و حاجة صاحب المكتب له. في بعض الأحيان يتاح للمحامي و المتدرب القدرة على تحمل أعمال و موكلين لحسابه الشخصي بجانب عمله بالمكتب لكن ضغط العمل في المكتب و ضيق الوقت يحول في كثير من الأحيان دون العناية بشكل جدي بهؤلاء الموكلين و أعمالهم.

أخيرا، هناك عدد من المكاتب المحدودة التي تشبه إلى حد ما الأشكال التي تطورت إليها ممارسة مهنة المحاماة في دول الشمال. في هذه الفئة يتشارك محامون مساهمون في مكتب تتوفر لديه قدرة مالية و خبرة لا تتوفر لغيره من مكاتب الفئات الأخرى. تعمل هذه المكاتب في القانون التجاري و صفقات التعاقد المهمة و لها علاقاتها بدوائر السلطة بحكم الأصول العائلية لمالكيها. فضلا عن ذلك فهي قد تعتمد على علاقات بشركات و مكاتب محاماة بالخارج. هنا نخرج من دائرة المرتبات المتواضعة لندخل في دائرة تعتبر بمقياس الحياة الاقتصادية في مصر و خاصة بالمقارنة مع الفئات الأخرى أفضل بكثير من الناحية المالية. إذ يبدأ المردود المالي للمحامي المتدرب من 600 إلى 1000 جنيه. هذه المكاتب و إن كانت تحاول التنمط بممارسات و أساليب مكاتب دول الشمال إلا أنها إذا أنصفنا لا تتجاوز دائرة مكاتب القاع سواء من ناحية التنظيم الإداري و عدد المحامين أو من ناحية المردود المالي و هذا بالتأكيد ناتج عن الفارق الاقتصادي بين الجنوب و الشمال بالإضافة إلى افتقاد كثير من عناصر المهنية و الاكتفاء بالنقل الصوري. لا تختلف في غالب الأحيان هذه الفئة عن سابقتيها من حيث انعدام الشفافية في تقدير الأتعاب و العلاقة مع الموكلين. إذ يكفي لتميزها ارتفاع أجور المحامين و المتدربين مقارنة بنظرائهم في المكاتب الأخرى.


كيف يمكن أن نضبط و نفهم تقدير أتعاب المحامي؟


هناك طرق عديدة يستخدمها المحامون في الشمال لتقدير أتعابهم في علاقتهم بالموكلين و تنظم قواعد أخلاقيات المهنة و نقابات المحامين ضوابط للتقدير و طرق لحل المنازعات. من ناحية أخرى هناك شفافية و دراسات سنوية عن أجور المحامين و المتدربين و مقارنات تخلق جوا من المنافسة و الكفاءة بين شركات المحاماة و أفراد المحامين.

كل مكتب أو شركة محاماة تعتمد سياسة مالية في تقدير أتعاب محاميها. هذه السياسة يجب أن تستوعب مصلحة المحامي و الموكل على السواء.

هناك ما يعرف بسياسة أو أسلوب (retainer fee) هذه السياسة المالية التقليدية تمنح المحامي سببا كافيا لليقين بجدية موكله. إذ يقدم الموكل مبلغا ماليا إلى المحامي أو يضعه في حساب بنكي لصالح المحامي. يمكن تقسم هذه الطريقة إلى ما يعرف ب (pure retainer) و هو مبلغ يدفعه الموكل للمحامي مقدما حتى يضمن أن يتولى المحامي أو المكتب الدفاع عن القضية أو العناية بالتوكيل خلال مدة ما و ألا يقبل المحامي أو المكتب موكليين آخرين منافسيين أو خصوم خلال هذه الفترة المحددة. النوع الثاني (case retainer) و بها يدفع الموكل مقدما للمحامي ضمانا لعمله على قضيته. و أخيرا (retainer for general representation) هنا يدفع الموكل مبلغا سنويا أو شهريا يضمن به عمل المحامي على قضاياه و أعماله طوال مدة محددة يكون فيها ممثلا قانونيا له، و قد يتضمن العقد اعتبار هذه المبالغ حدا أدني مما يعني الاتفاق لاحقا على ما قد يطرأ من أعمال استثنائية أو ذات أهمية خاصة.
هناك سياسة مالية أخرى (contingency fee)  هنا يتحصل المحامي على أتعابه كنسبة من المبلغ المحكوم به لصالح موكله. هذا الأسلوب يتبع غالبا في قضايا التعويضات إلا أن بعض النظم تحدده بقواعد صارمة و قد تحظره خاصة في قضايا العقوبات و الأحوال الشخصية. و لا تشمل هذه المبالغ مصروفات التقاضي.
سياسة أخرى تعرف ب (flat or fixed fee) و هي عبارة عن مبلغ محدد يتقاضاه المحامي بغض النظر عن نوع و حجم العمل و هي تشبه إلى حد كبير طريقة تقدير كشف الطبيب

أخيرا، و هو النظام الأكثر استعمالا خاصة في شركات المحاماة (hourly fee). إذ يتقاضى المحامي أتعابه بناء على عدد الساعات التي يمضيها في العمل على أمور موكله. و تتحدد قيمة ساعة العمل بناء على خبرة المحامي و حجم المكتب و سمعته. هذا النظام و إن كان يبدو للبعض سهلا و بابا للتجاوز و الاستغلال، إلا أنه يعد مجالا للمباراة و المنافسة بين المكاتب سواء من ناحية قيمة ساعة العمل أو من ناحية طرق حسابها و مراجعتها. إذ تحرص شركات المحاماة على وضع سياسة صارمة و شفافة يتم على أساسها حساب الساعات الحقيقية التي سوف يدفعها الموكل مستخدمة برامج حديثة و شركات للمراجعة و الحساب.

هناك من مكاتب المحاماة ما يجمع بين هذه السياسات المالية. و قد يلجأ بعضها إلى تقديم تسهيلات مثل عدم احتساب أول نصف ساعة، أو اعتبار أول ساعة بنصف القيمة،،إلخ
أخيرا يجب أن ألفت الانتباه إلى فارق كبير بين الجنوب و الشمال في إدراك طبيعة عمل المحامي و تقديره المالي. قد يظن البعض أنه من الطبيعي و العادي جدا أن يتصل هاتفيا بالمحامي أو يستوقفه أو يذهب إلى مكتبه و يحادثه و يستشيره ثم يشكره و ينصرف و يظن أن المحامي ما فعل شيئا و أن كل ما فعله هو أنه حرك لسانه و قال كلاما!!

المحامي يقضي سنوات دراسية صعبة و يتعهد نفسه بالاطلاع المستمر على حديث القوانين و الأحكام و يزداد خبرة و علما يوما بعد يوم. لذا يقصده الناس لاستشارته و استيضاح ما غلق على أفهامهم طالبين منه العون و الحل القانوني السليم. و هو لا يقدم ذلك صدقة و احسانا و إنما هذا عمله و تلك صناعته فمن ابتغى بضاعته وجب عليه دفع الثمن ففي ذلك عدل و انصاف و هذا هو ما يحفظ كرامة المهنة و نبل الرسالة. فعكس ذلك أدى بنا إلى غبن عظيم أظهر ما يعرف بمحامي السلم أو محامي الصالة!! فقط أنوه إلى مدونة لاحقة عن العمل التطوعي للمحامين حتى لا يظن البعض بالمحامين شرا فيقول أنهم يدافعون و يسهمون في إحقاق الحق و مساندة العدالة فقط مقابل المال دونما إيمان و لا اكتراث بالضعفاء و ذوي الحاجة.

ما سبق يخص علاقة المحامي/ الموكل. ماذا إذن عن علاقة المحامي/ المحامي؟

هناك أعراف و تقاليد و ربما قواعد مهنية تنظم العلاقة بين المحامين و بعضهم بعضا سواء من ناحية أسلوب الممارسة و التعامل و الخطاب أو من ناحية المردود المالي لأعمالهم.
هناك حد أدنى معلن للمحامي المتدرب- لاحظ أن فترة التدريب قصيرة إلى حد كبير و مردودها المالي إلى حد كبير يتجاوز المتوسط لشخص ذو خبرة في أي مهنة أو قطاع آخر- و تنشره المجلات المتخصصة و تقارن بين المكاتب و سياستها في تحديد التقديرات المالية لمحاميها. كما أن كثير من شركات المحاماة لا يقصر الأمر على المردود المالي الشهري بل قد تزيد الإضافي bonus وفق سياسة معلنة مثل تحقيق عدد ساعات معين أو غير ذلك. فضلا عن تأمين اجتماعي و صحي و أجازات سنوية مدفوعة و اشتراك نادي رياضي،،إلخ

الطريف أن الكثير من الناس ينظرون إلى الجانب الممتلئ من الكأس أي التقديرات المالية المرتفعة، إلا أنهم يغفلون عن العلاقة الطردية بين انتفاخ الجيوب من ناحية و ساعات العمل الطويلة و ضغط العمل الذي قد يسبب مشكلات نفسية و أسرية و اجتماعية من ناحية أخرى. تحدد كثير من مكاتب المحاماة في أمريكا و كندا عدد 1500 ساعة و حاليا رفع بعض المكاتب هذا العدد إلى ما يتجاوز 2000 ساعة و هو رقم كبير جدا خاصة إذا فهمنا أن الساعة تحسب بالعمل الفعلي و هناك برامج لحساب ذلك بشكل دقيق و يمكن مراجعته، فمثلا لن تحتسب 5 دقائق للذهاب إلى الحمام و لن تحسب ساعة الغداء،،إلخ هذا يدفع البعض رغبة منه في الحفاظ على وضعه في الشركة و فرصة استمراره بالعمل إلى المجيئ إلى مكتب في العطلة الأسبوعية و ربما المبيت في المكتب.

لذا يفكر الكثير من الملتحقين حديثا بمهنة المحاماة بشكل الحياة التي يرغبون فيها فقد يعدل بعضهم عن العمل في مكاتب تتجاوز أول مراتب التقدير المالي فيها إلى ما يفوق المائة ألف دولار سنويا مقابل الحصول على حياة متوازنة بين العمل و الأسرة و النشاط الاجتماعي بمقابل مادي مناسب يكفل حياة مريحة و كريمة.

  إشترك في القائمة البريدية

  إبحث في الموقع