الجمعة, 29 آذار/مارس 2024
Blue Red Green

  • أخبار سريعة
أخبار قانونية: وفاة رئيس القضاء السوداني مولانا حيدر احمد دفع الله - السبت, 24 تشرين2/نوفمبر 2018 18:45
الرئيسية بحوث قانونية قضاء غير المسلم

قضاء غير المسلم - ثالثاً : العلــم:

 ثالثاً :  العلــم:

 يشترط الفقهاء في القاضي العلم بأحكام الشريعة ، وهو بلا شك شرط ضروري ، لأن القاضي إذا قضى بغير علم أضاع الحقوق فهلك وأهلك . وكانوا في بادئ الأمر يشترطون في القاضي أن يكون مجتهداً ، وعندما تعَذّر وجود المجتهدين اكتفوا بأن يكون قادراً على استخراج الأحكام من مظانها . وقد مرّ بنا قول الإمام ابن تيمية ( وهذا العلم لا يشترط أن يكون شاملاً ، بل يكفي أن يكون القاضي عالماً بموضوع اختصاصه ، فمن ولي قاضياً للجنايات يشترط فيه العلم بالجنايات ، ولكن لا يشترط فيه العلم بالمواريث.

ولا يحتاج القاضي في وقتنا هذا أن يرجع إلى أقوال المفسرين والفقهاء بعد أن صيغت الأحكام الفقهية في مدونات قانونية بلغة واضحة ، وفسرت السوابق القضائية تلك النصوص ، وشرحها الفقهاء في كتبهم وأبحاثهم.

ولا يستطيع أحد أن يزعم أن غير المسلمين من المسيحيين لا يفهمون هذه القوانين ، ولا يستطيعون تطبيقها على ما يعرض عليهم من وقائع ومنازعات حتى ولو كانت هذه القوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية . وقد زاملت من هؤلاء المسيحيين في الدراسة عدداً فكان بعضهم يحرز في مادة الشريعة الإسلامية درجات عالية يتفوق فيها أحياناً على كثير من المسلمين.

لقد اشترط القانون للعمل بالقضاء أن يكون الشخص قد نال شهادة جامعية في القانون ، ويستكمل من التحق بالقضاء تأهيله بالتدريب والبحث والإطلاع . وإذا أخطأ القاضي غير المسلم في حكمه نتيجة لجهله ببعض أحكام الشريعة فهناك محاكم أعلى تراجع حكمه وتصححه ، وإذا اتضح أن جهله كان فاضحاً حوسب ونُبَّه حتى لا تتكرر تلك الأخطاء.

 رابعاً :  العـداوة:

يحتج البعض على عدم أهلية غير المسلم لتولي القضاء بأن اختلاف الدين قد يحمله على عداوة المسلم فيظلمه ، لأنه خلافاً للمسلم يفتقد الوازع الأخلاقي الذي يمنعه من الظلم.

والحقيقة أن مجرد اختلاف الدين لا يدعو إلى العداوة ، ولكن إِحساس غير المسلم بالظلم هو الذي يؤدي إِلى العداوة . لقد كان هذا السبب وارداً عندما كانت الدولة الإسلامية في معارك وحروب مع جيرانها ، وكان غير المسلم من اليهود والنصارى يتآمرون مع العدو ويكونون له عيناً بالداخل.

الواضح اليوم في بلادنا غير ذلك ، إذ أن المسيحيين في السودان مواطنون أكثرهم مسالمون ولا يتآمرون على الدولة ، أو يتعاونون مع العدو . ويوجد من بين هؤلاء الأمناء الأكفياء الذين تتوفر فيهم شروط القضاء من علم واستقامة واحترام للقانون ونزاهة وولاء للوطن . وليس ثمة سبب يدعوننا للظن بأن اختلافهم في الدين مع المسلمين قد يحملهم على عداوتهم وظلمهم.

لقد كان المسلمون فيما مضى يعتمدون في تحقيق العدل على شخصية القاضي ، أما اليوم فإن تحقيق العدل لا يعتمد على شخصية القاضي فحسب ، بل هناك ضوابط وشروط موضوعية تراعى عند اختيار القضاة ، وهناك رقابة قضائية على أعماله وسلوكه ومجالس محاسبة إذا أخل بواجبات وظيفته ، وآداب يراعيها القاضي في مسلكه وأدائه.

 الخلاصـة:

 1- إن الولاية التي نص عليها الفقهاء أنها لا تكون لغير المسلم هي ولاية النصرة في الحرب والسياسة كما تدل عليها الآيات التي اعتمدوا عليها ، وليس لها علاقة بولاية القضاء.

2- إن القاضي عندما يلتزم بتطبيق أحكام الشريعة إنما يجعل الولاية للشريعة وليست لحكمة القابل للخطأ والصواب والمراجعة والتصحيح.

3- إن ولاية القضاء في زماننا هذا أشبه بوزارة التنفيذ التي أجاز الفقهاء تقليدها لغير المسلم ، لأن القاضي لم يعد يحكم بما يراه ، بل هو ملزم بنصوص قانونية محددة ومفسرة ، ولم يعد حكمه نهائياً بل قابلاً للاستئناف والطعن والمراجعة ، فهو يمضي أحكام القانون الشرعي ، وينفَّذ توجيهات المحاكم الأعلى ، ويلتزم بتفسيرها للنصوص.

4- إن شرط العدالة الذي اشترطه الفقهاء يمكن أن يتحقق في غير المسلم ، بحيث تتوفر فيه الاستقامة والأمانة ، والعفة عن المحارم ، والبعد عن الهوى ، والسلامة من عداوة الناس.

5- إن العلم المطلوب للقاضي يمكن أن يتوفر اليوم لغير المسلم بالدراسات الجامعية والتدريب والبحث ، وقد سبق للفقهاء أن قالوا بأنه لا يشترط أن يكون علم القاضي شاملاً بل يكفي أن يكون عالماً بموضوع اختصاصه . وأن هذه الشروط تجب مراعاتها بحسب الإمكان ، وأما مع العجز فإنه يختار الأمثل فالأمثل ، وأنه تجوز ولاية المفضول مع وجود الفاضل.

6- إن شهادة القرآن لبعض أهل الكتاب – لا سيما النصارى – بالأمانة ، فيها إنصاف لهم ، وعدم بخسٍ للمحسنين منهم ، ومثل هؤلاء يمكن أن يتم اختيار القضاة من بينهم.

7- اختلاف الدين الذي يحمل على العداوة والظلم يمكن أن يقع من أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين يخططون للقضاء على الإسلام ويكيدون للمسلمين كما هو الشأن الآن في إسرائيل وفي كثير من الدول الغربية ، وما يحدث من المتآمرين معهم والمتعاونين بالداخل ، وليس لمثل هؤلاء مكان في الوظيفة العامة فضلاً عن القضاء.

8- إن الواقع يشهد بأن كثيراً من المسيحيين السودانيين لديهم من الوازع الأخلاقي ما يعصمهم من الظلم ، ومن حسن الخلق وسماحة الصدر ما يمنعهم من العداوة للمسلمين أو محاباة أبناء ملتهم . بل إن ما عليهم من الرقابة لا يتيح لهم مجالاً لتحيّزٍ أو محاباة.

 أقول هذا وأستغفر الله من الزلل والخطأ وأسأله التوفيق والسداد.


[1] عبد السلام العجلاني: عبقرية الإسلام في أصول الحكم – ص 346.

[2] وهبة الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته ، ص 3744 ابن القيم : الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص 238.

[3] وهبة الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته ص 728.

[4] المرجع السابق.

[5] عبد السلام العجلاني : المرجع السابق ص 166.

[6] محمد رواس قلعة جي ، موسوعة ابن تيمية.

[7] ابن رشد ، بداية المجتهد ، ص 463.

[8] الماوردي : الأحكام السلطانية.

[9] السرخسي ، المبسوط 16/295 ، ابن قدامه ، المغني 9/39.

 

 

  إشترك في القائمة البريدية

  إبحث في الموقع

  • أخبار قانونية

  • عقود

  • جرائم محلية

  • قواعد فقهية